Répondre :
Réponse :
مصدر النص انضر الكتاب المدرسي
الكاتب انضر ورقة الرسم
نوعية النص سيرة داتية
العنوان
تركيبيا يتركب العنوان من جار ومجرور
دلاليا اخرجتُ من البيت معتكرَ المزاج، بعد مشاجرةٍ معها، صارتْ مشاجراتنا شبهَ دائمة، كادت تصبح جزءًا من حياتنا اليوميَّة، وفي كلِّ مرَّةٍ يتَّهم أحدُنا الآخرَ بأنَّه هو المسؤول عَن "مناكَفة الدِّيَكة"، هذه التي لا تَكاد تَنتهي.
هي تقول لي:
• أنت أصبحتَ غضوبًا، حادَّ الطِّباع، تغيَّرت مشاعرُكَ نحوي، لم تعُدْ تحتمل منِّي هَفْوة، واقف لي وقوف الشوكة في الحلق، وأصبحتَ فضوليًّا كثير الغلبة، تتدخَّل فيما يعنيك وفيما لا يَعنيك.
وأنا أردُّ لها الصاعَ صاعَين، فأقول:
• بل أنتِ أصبحتِ مُهملةً، كسولاً، قليلةَ الاهتمام بشؤون البيت والأولاد، معظم وقتكِ أمامَ هذا الجِنِّي، سارق الوقت والعُمر، هذا الجهاز الذي لا يكُفُّ عن الثرثرة، وأنتِ تتفرَّجين على كلِّ شيءٍ فيه وكأنَّه يتحدَّثُ عنكِ.
ثم أُضيفُ؛ لأكيدها وأغيظها:
• وها أنتِ ذي تذهبين في العرض، لو نظرتِ إلى شكلِكِ في المرآةِ، لرأيتِ أنكِ لم تَعودي تلك الرشيقةَ الخفيفة التي كانت تخطر كالغزال.
يسوؤها منِّي هذا الكلامُ كثيرًا؛ فهو يمسُّ أنوثتها، تُوشِكُ - في كثيرٍ من الأحيان - الدموعُ أن تقفز من عينيها، وتقول مبتئسة ابتئاسًا حقيقيًّا:
• تعني - يا باسم - أنَّكَ لم تعُدْ تحبُّني مثلَ أيَّام زمان؟
تأخذني الرأفة، أحسُّ أنِّي جرحتُ مشاعرها بكلامٍ لا يؤلمُ المرأةَ مثلُه، فأقولُ مترفِّقًا محاولاً إصلاحَ ما بَدَرَ مني:
• ما قصدتُ هذا، ولكن قصدتُ أن أُنبِّهَك على أمرٍ ذي بالٍ، إنَّ رشاقة المرأة كَنزُ الجمال، وقِلَّة الحركة تغتال هذا الكَنز.
• • •
تطوَّرت "مناكفة الدِّيَكة" اليومَ بيني وبيْنها إلى أكثرَ من المعتاد، وخرجَتْ مِن فِي كلٍّ منَّا كلماتٌ أخشنُ من المألوف، شَعَر كلٌّ منَّا بالندم؛ ولكنَّ كبرياءَه أبَتْ عليه أن يعتذر أو يعترف.
دخلتْ هي إلى غُرفتها غَضْبَى باكيةً، وخرجتُ أنا من البيت حانقًا، فصفقتُ من خلفي الباب صفْقًا عنيفًا، بلغ مسامعَ الجيران، فأطلَّت رؤوسٌ فضوليَّة تستطلعُ الخبر.
ظللتُ أمشي على غير هُدًى، حتى وصلتُ إلى مقهى بعيد، لم أتعوَّد أن أذهبَ إليه إلاَّ نادرًا.
قصدتُ طاولةً منعزلة، وطلبتُ فنجانًا من القهوة التُركيَّة، ورُحْتُ أرتشفها بهدوءٍ وتلذُّذ.
كانت الأفكار تُشرِّق بي وتُغرِّب: لماذا أضحتْ حياتي معها على هذه الشاكلة؟ كان يُضرب بنا المَثَلُ في الودِّ والتفاهم، سارت حياتُنا في أوَّلها سمنًا على عسل، أنجبنا بناتٍ وبنينَ يفقأُ كلٌّ منهم عينَ أيِّ حسود.
منذ سنوات فقط بدأت مشاجراتنا مشاجراتٍ تافهة، لم نكن ندري كيف بدأت، وما سببها على وجه التحديد؟ كان يركبُ العِنادُ كلاًّ منَّا، فيتشبَّث برأيه، يأبى أن يتنازل عنه، كانت زوجتي تعتبرُها أمرًا عاديًّا، لا سيَّما وأنَّها كانت تنقشعُ بسرعةٍ مثلَ سحابة دُخَان، أو رغوة صابون، ثم نعود بسرعة كالأطفال إلى التَّصافي والوِئام، لكنَّني – وأنا الذي أحمِّلها كثيرًا على حدِّ تعبير زوجتي – أنزعج، وأتمنَّى لو لم تحدث، تقول زوجتي عندما نتصافى بأسرع ممَّا يتصافى الأطفال:
• هذه أشياء عاديَّة في حياة كل زوجَين، هذه مِلح الطعام، لا بُدَّ منها في كلِّ بيت،
أقول لها معترضًا:
• لا أحب هذا المِلح، أنا مُصابٌ بضغط الدم، وأنتِ تعرفين أنَّ الملح يضرُّني،
تضحك وتهزُّ رأسها مُلاطفةً، وتقول:
• حاضر يا حبيبي، سأحاول ألاَّ يدخل المِلح بيتَنا بعدَ اليوم.
نضحك معًا، ولكن لا بُدَّ في البيت من مِلح!
• • •
وأنا أرتشفُ قهوتي، شاردٌ مع خواطري، حانتْ منِّي الْتفاتةٌ، فوقفتْ عيناي على فتاةٍ جالسة إلى إحدى الطاولات في زاويةٍ بعيدة من المقهى، تسمَّر طرْفي عندها، أهذا معقول؟! إنعام!! يا سبحان الله! بعد هذا الزَّمن؟ كم سَنَة مرَّت؟ خمس وعشرون!
أجلْ، خمس وعشرون، وربَّما أكثر، كانت زميلتي في كلية الآداب، كم فتَنَتْني واستهوَتْني! كم حلُمتُ بها! ولكن كان كلُّ شيءٍ يومذاك يُغلق الطرق إليها.
تعذَّبتُ طويلاً مِن هوًى مكتوم، لم يعلم به إلاَّ اللهُ، ولم أرَ بُدًّا من التجلُّد والمُصابرة، فقصصتُ أجنحةَ الأحلام يومًا بعد يوم، واكتفيتُ بزمالتها، وباحترامٍ مُتبادل وقورٍ، حتى تخرَّجنا، ومضى كلٌّ منَّا في سبيل، ثم لم أعُدْ أراها من يومذاك.
إنعام! يا إلهي! ما الذي جمعَنا بعد هذا الزَّمن الطويل؟!
كنتُ أُحدِّقُ فيها تحديقًا طويلاً، يلفتُ الأنظارَ، والتقتْ عيونُنا أكثرَ من مرَّة؛ ولكنَّها كانت تغُضُّ طرفها بسرعة، حَيِيَّة، إنعام، خجولٌ، كالعهد بها، ولكنَّ إغضاءَها زائدٌ عن الحدِّ، إغضاء مَن لم تعرفْني أو تتذكَّرني قطُّ، معقولٌ أنَّها لم تعرفني؟!
معقول؟ لِمَ لا؟!
هذه خمسٌ وعشرون سَنةً قد مرَّت، لا سنةٌ ولا اثنتان ولا ثلاث، وأنت قد تغيَّر فيك كلُّ شيءٍ.
كانت زوجتي عندما أقول لها:
• ترهَّلتِ، وسمِنتِ، لم تعودي الغزالةَ الرشيقة التي عرفتُها.
تقول لي على الفور:
• وأنت أيُّها العزيز الحبيب، أتحسبُ أنَّك ما تزال ذلك الشاب الوسيم الرشيق الذي كنتَه؟! أبقيتْ فيك يا ابنَ الخمسين شعرةٌ سوداء؟! إنَّه حكم الزمن يا زوجي، أنا وأنتَ وكل أحد.
يَغيظني كلامُها، فأقول مُكابرًا:
• ولكنكِ ترهَّلتِ كثيرًا؛ بسبب قلَّة الحركة.
Merci d'avoir visité notre site Web, qui traite d'environ Arabe. Nous espérons que les informations partagées vous ont été utiles. N'hésitez pas à nous contacter pour toute question ou demande d'assistance. À bientôt, et pensez à ajouter ce site à vos favoris !